جاري التحميل الآن

إخصاء أورانوس – جون بييار فرنان

جون بيير فرنان

ترجمة لمقالة معنونة ب “إخصاء أورانوس” من كتاب “الكون و الآلهة و البشر- حكايات النشأة الإغريقية”، للمفكر الفرنسي المعاصر جون بيير فرنان

لنبدأ بالسماء إذن. ها هو أورانوس و قد خرج من رحم غايا و له نفس حجمها. يتمدد و يتمرغ فوقها هي التي أنجبته. السماء هنا تغطي الأرض بأكملها. كل جزء من الأرض له نسخته قطعة من السماء لصيقة به. في اللحظة التي تعطي فيها غايا، القوة الربانية، و أمنا الأرض أورانوس و الذي هو مقابلها الدقيق و نسختها المتساوقة معها، سنجد أنفسنا في حضرة زوجين من الأضداد، في حضرة ذكر و أنثى. أورانوس هو السماء تماما كما أن غايا هي الأرض. ما إن حضر أورانوس إذن حتى أضحت لعبة الحب مختلفة. لم تعد غايا تنتج ما بجوفها فقط و لا أورانوس ينتج ما بداخله فقط، بل و انطلاقا من علاقة ترابط بين هذين القوتين، أخذت عدة كائنات مختلفة تظهر للوجود.

أورانوس ما ينفك يسري فوق صدر غايا. أورانوس الأول ليس له أي نشاط آخر غير الجنس. لا يفعل أورانوس و لا يفكر في أي شيء غير التمدد فوق غايا دون ملل أو كلل. هذه المسكينة غايا ستجد نفسها حبلى بعدة أطفال لا يستطعون الخروج من حضنها، و يظلون قابعين هناك حيث صنعهم أورانوس. بمأن أورانوس لا يتحرر من غايا أبداً، فلا يمكن أن يكون هناك مكان بينهما لكي يحتله أبناؤهما الجبارين، و يخرجوا إلى النور و يكتسبوا بذلك وجوداً مستقلا. هؤلاء لا يمكن لهم أن يأخذوا شكلهم الطبيعي، لا يمكن لهم أن يصيروا كائنات متفردة لأنهم دائما مقموعين داخل حضن غايا، تماما كما كان الحال مع أورانوس قبل أن يخرج للوجود.

فمن هم أولاد غايا و أورانوس إذن ؟ هناك أول ستة جبارين و ست إخوة لهم جبارات. أول الجبارين هو أوكيانوس. هذا الأخير هو ذلك الحزام السائل المحيط بالكون و يجري على شكل دائرة بحيث أنه يبدأ عند نهايته. النهر الكوني يدور في حلقة مغلقة على نفسه. أصغر الجبارين هو كرونوس، و يمسى ب “كرونوس صاحب الأفكار الماكرة”. و بمعزل عن الجبارين و الجبارات ولد ثلاثيان من الكائنات المخيفة جداً، الأول هو ثلاثي برونتيس، و ستيروبيس، و أرجيس، و هي شخصيات قوية جداً و ليس لها إلا عين واحدة و أسماؤهم تشير بما فيه لكفاية إلى أي صنعة هم مقدرون، و التي هي: دوي الرعد و لمعان البرق، إنهم هم في حقيقة الأمر من سيصنع الصاعقة و يقدمونها كهبة للزوس. الثلاثي الثاني هو ما يسمى بصاحب الأذرع المئة، و هو كوتوس، و برياري، و جييس. إنها كائنات مخيفة عملاقة الحجم، و لها خمسون رأس و مئة ذراع، كل ذراع من هذه الأذرع له قوة رهيبة جداً.

إلى جانب الجبارين أو العملاقة، أول الآلهة المتفردة _ و هم ليسوا كغايا و أورانوس و بونتوس، أسماء تخص قوى طبيعية_ نجد السيكلوبيين الذين يمثلون حدة البصر. يمتلكون عينا واحدة في وسط الجبين، إلا أنها عين رهيبة جداً، تماما كما السلاح الذين سيهبونه للزوس، و هو يمثل القوة السحرية للعين. أصحاب الأذرع المئة يمثلون من جهتهم القوة الهمجية، يمثلون القدرة على هزم أي كان فقط بفضل قوة الذراع. قوة عين رهيبة إذن إلى جانب قوة ذراع قادرة على ربط، و قبض، و و تحطيم، و هزم، و إخضاع أي كائن في هذا العالم. إلا أن هؤلاء الجبارين لايزالون يقبعون في بطن غايا؛ و أورانوس لازال يتمدد فوقها.

ليس هناك لحدود الساعة أي نور لأن أورانوس يبقى على ليل مظلم و هو متمدد فوق غايا. هذا ما سيجعل الأرض تطلق العنان لغضبها. إنها غاضبة من كونها مجبرة على أن تبقي أبناءها الذين يضغطونها و يخنقونها دائماً بداخلها. هنا ستتوجه بالكلام لأبنائها و للجبارين على وجه خاص و تقول: “ اسمعوا يا أبنائي، إن أباكم يظلمنا، إنه يخضعنا لعنف لا يطاق، لا بد أن ينتهي هذا، لابد و أن تثوروا عليه.”عندما سمع الجبارون بهذا الكلام و هم في بطن غايا أصابهم الرعب. ليس من الهين بالنسبة لهم هزم هذا الأورانوس الذي يتمدد فوق أمهم غايا. وحده آخر العنقود، كرونوس سيقبل بمساعدة أمه و تحدي أباه أورانوس.

ستعد الأرض إذن خطة غاية في المكر. و لكي تفعل خطتها ستصنع بداخلها سلاحا، ستصنع منجلا صغيرا، و الذي ستصوغه من معدن أبيض صلب. بعد ذلك ستضع هذا السلاح في يد الصغير كرونوس، ليتأهب و بعد ذلك يبدأ في الاشتباك. في اللحظة التي يجتمع فيها أورانوس بغايا و يتمدد فوقها، كرونوس سيمسك بقضيب أباه بحزم بيده اليسرى، و سيقطعه باليد اليمنى مستعينا بالمنجل الذي أعطته إياه أمه و سيلقي به بعد ذلك بعيدا. من هذا العضو المبتور ستقع قطرات دم فوق الأرض،

أما العضو نفسه الذي ألقى به كرونوس بعيداً فسيقع في بونتوسالتدفق البحري. أورانوس عندما تم إخصاؤه أطلق صرخة مدوية و ابتعد عن غايا. ذهب لكي يستقر و لا يتحرك بعد في أعلى العالم. و ﻷن أورانوس هو المتساوي تماما في الحجم و الشكل مع غايا، صرنا لا نجد أي قطعة أرض ليس لها ما يقابلها عندما ننظر عاليا إلى السماء.

مرجع المقالة:

 Jean Pierre Vernant. Chapitre: La castration d’Ouranos. Dans : L’univers, les dieux, les hommes, Récits Grecs des orginies [epub]. ÉDITIONS DU SEUIL, OCTOBRE 1999. Ce document numérique a été réalisé par Nord Compo

Comments

comments

إرسال التعليق