جاري التحميل الآن

سؤال أصل الزمان – مارسيل كونش

مارسيل كونش

ترجمة لنص معنون ب”سؤال أصل الزمان”، للفيلسوف الفرنسي المعاصر مارسيل كونش، في كتابه الزمان و المصير

من أين يأتي الزمان؟ و لماذا الزمان؟ أسئلة كهذه ليست أسئلة أرسطية، و لن تكون أبدا أسئلة كانطية. إلا أن أفلوطين يتساءل ” كيف ظهر الزمان و كيف وجد”(Ennéades, III, 7, 11)1. مما لا شك فيه، أن أرسطو لم يكن يجهل هذه الإشكالية: هل الزمان مخلوق أم أزلي؟ كل الفلاسفة مجمعون على أنه أزلي، إلا واحد. “وحده أفلاطون يخلقه”(Phys. VIII, 1, 251 b 17-18)، حين يكتب في طيماوس بأن “الزمان ولد مع السماء”. و لكن هل يمكن أن يوجد شيء قبل الزمان، مادام “الما-قبل” يفترض الزمان؟ و فوق هذا، من المستحيل ان يوجد الزمان و يتم تَصَوُّرُهُ، دون اللحظة هذه، و التي هي في الآن ذاته، نهاية و بداية _ نهاية للماضي و بداية للمستقبل _ حيث أنه، “بالضرورة في كلا طرفيها (أي اللحظة) يوجد الزمان”، و هذا يعني فيما يعنيه، أن “الزمان يوجد دائما و أبدا”(Phys. VIII, 1, 251 b 11-12, 19-26). حسب أفلوطين، ما يقوله لنا أرسطو حول الزمان، لا يقبض أبدا على ماهيته. القول بأن الزمان هو “تعداد” أو”مقياس” للحركة، لا يجيب على سؤال ما هو الزمان في ذاته : “الزمان ليس في أساسه مقياسا للحركة؛ إنه أولا شيء آخر، و بالعرض الطارئ فقط، يجعلنا نعرف كمية الحركة”(Εnn. III, 7, 12, l. 41-43). يمكن لنا أن نفهم ما هو الزمان، انطلاقا من الأبدية التي هي صورته حسب أفلاطون : ” لابد لنا أن ننزل من الأبدية للبحث عن طبيعة الزمان”(ibid., 7, 7, 7-8). إن ما هو أبدي، هو ما يظل على حاله بشكل دائم، دائم في الحاضر طبعا، دون ماض و دون مستقبل. القول بأن شيء ما، يقع بالنسبة له في المستقبل، هو قول يفيد بأن هذا الأبدي ينقصه ذاك الشيء. إن الأبدي هو الكائن الذي لا ينقصه شيء، و هو الذي يوهب كله و لا يختلف قط عن نفسه. “في داخله، لا يوجد مجال للمجال، و لا للتطور، ولا للتقدم، و لا الامتداد؛ لا يمكن فيه الإمساك لا بالما-قبل و لا بالما-بعد”(ibid., 7, 6, 15-16). يُخْلَقُ الزمان نتاجا لحركة الروح و قلقها الذي يستحث المستقبل. يبعض الكل إذن، ليحمل في جوفه أجزاء ناقصة و قادمة من المستقبل. تنتج الروح إذن حين تتزمن(7, 11, 1. 30) الزمان، و تضعه بدل الأبدية، و تُخَضَّعُ له العالم المخلوق من قبلها. لا تعيش الروح حياة ثابتة في كليتها، و لكنها تعيش حيوات متتالية: جزء من حياتها مضى و ولى، و جزء حاضر، و آخر آتً. حياة الروح حين تتفكك(7, 11, 1. 41) وتتمدد، هي التي تعمل على فصل الما-قبل و الما-بعد، والذي هو الزمان: ” قبل الروح ليس ثمة سوى الأبدية، و التي لا ترافق الروح أبدا و لا تجاورها. هكذا إذن ستكون الروح هي أول ما يذهب حد الزمان، لتجعل منه كائنا، بل و لتمتلكه بأفعالها الخاصة”(7, 13, 1. 44-47). “من أي سقوط _يتساءل أفلوطين_ ولد الزمان؟”(7, 11, 1. 7). إنه السقوط، الذي انفصلت به الروح عن الحياة الأبدية و عن الكائن، لتعيش حياة تلوى الأخرى، و من هنا بالضبط يوجد الزمان. لا يمكن للزمان أن يوجد إلا إذ انتُقص من الكائن، إن الأمر هنا شبيه بنقص أو لنقل عجز أنطولوجي.
إن ما هو مخلوق كما يظهر لنا، هو الزمان متصلا بحياة الروح، اي الزمانية. الما-قبل و الما-بعد ليسا فقط منفصلين، بل ما ينفكان ينفصلان؛ ما ينفك الماضي و الحاضر و المستقبل اذن، على الانفصال داخل وحدة بنيوية واحدة و خارجية الطبع على ذاتها. حتى و إن تعلق الأمر بالروح الكونية _ الكوسمولوجية، فالزمانية تظل دائما تحيل إلى عدم تطابق الذات مع ذاتها، الذات هنا مقدرة دائما للوجود قبل ذاتها2، و للفعل و العيش حسب نشاطات و حيوات متتالية. من الواضح اذن على أنه، اذا أمكن التفكير في الزمانية انطلاقا من الكائن و من الأبدية، على أساس أنها تصدع لهذا الكائن، و على عدم قدرة _هذا الكائن _ الذي يتصدع دائما من جديد على التجمع، فيمكن أيضا و على عكس ذلك، التفكير فيها _أي الزمانية_ انطلاقا من اللاكائن و من المادة المتناسية لنفسها في كل لحظة، على اعتبار أنها نتاج لصراع الإنسان مع الزمان الفاصل و بحثه الدائم عن حياة روحانية. لأن الزمان يُوجد بكل بساطة الما-قبل و الما-بعد، و قبل الما-بعد ليس بعد، و بعد الما-قبل لم يعد بعد. بينما في الزمانية، فالما-قبل يظل حاضرا بعد، كمحتفظ به، و الما-بعد يكون ها هنا قبل، كاستباق3. إن عمل الزمان بما هو إفناء، و بعثرة، يقاوم هنا و يتنكر له، من قبل عملية مضادة، تقوم على الذاكرة و الاستباق، أو لنقل الروح.
يمكن لنا أن نضع الزمانية تحت الأبدية الثابتة، كنتاج لسقوط، كما يمكن لنا أن نضعها فوق الزمان الطبيعي الخالي من كل ذاكرة ( المادة)، كنتاج لكفاح. في الحالة الأولى، و بعد حياة ثابتة و هادئة بإطلاق، يظهر النقص، و القلق، و الجشع، الشيء أنتج حركة الذات الغير محددة خارج ذاتها و حاضرها. أما في الحالة الثانية، و بعد أن عمر قانون الزمان طويلا، بما هو لاكائن و نسيان، حدثت انتفاضة ضد هذا الزمان نفسه، بما هو موت. انتفاضة أنتجت الإنسان، بما هو كائن يستطيع أن يتذكر و يتوقع، و الذي فيه صار الزمان بما هو تنكر لنفسه زمانية.
و لكن في كلتا الحالتين، ما نتصوره في الأصل دائما هو الزمانية لا الزمان.
مرجع المقالة:
.Marcel Conche. Temps et destin. Puff Perspectives Critiques. 1992. P. 66 – .71

Comments

comments

إرسال التعليق