تقدم التاريخ – أندري كونت سبونفيل
ترجمة لمقتطف حاضر في القسم المعنون بدهاليز السياسة، من كتاب “خطاب في اليأس و النعيم”، للفيلسوف الفرنسي المعاصر أندري كونت سبونفيل
هكذا إذن يتقدم التاريخ، “بكل ما هو سلبي فيه”_ و لكنه بالرغم من ذلك يتقدم. ليس نحو الحقيقة طبعاً (مادام حقيقيا في الأصل)، و لكنه يتقدم نحو القيمة التي ما إن يصلها حتى تتغير. سماء عجيبة و خالية من أي محطة وصول… هذا هو التاريخ: ” سير الرغبة الدائم نحو الأمام “(هوبز)، دون هدف آخر غير هذه الرغبة نفسها، و دون معيار مطلق، و دون أي مبدأ كوني. كل مجتمع إذن هو في حقيقته دهليز، و سيظل دائما على هذا الحال: لعبة القوى و الرغبات، تشابك الحلم و الواقع، سراب المعنى و الوهم… إلا أن هذا الدهليز هو حياتنا، و ليس لنا غيره.
هذا الوهم “الاجتماعي” هو حقيقة حياتنا، تماما كما كان الحلم الفردي حقيقة نرجس. هاتان الحقيقتان _الذاتيتان و الوهميتان معا_ تتداخلان: لا مجتمع إلا مجتمع النرجسيين، و لا نرجس إلا داخل المجتمع. تتسلسل الأحلام الواحدة تلو الأخرى، و تتداخل، و تجتمع… إن التاريخ هو هذا المجموع: سلسلة سلاسل، مجموع مجاميع، دهليز دهاليز… و لا أحد هنالك في أي مكان. لا وجود لأي عالم معقول، و لا ” نموذج جاهز في السماء”. لا وجود لسقطة: فالتاريخ يذهب من الأسفل و لهذا لا يمكن له إلا أن يرتفع عاليا. لا قمة للراحة و الاستجمام: لا عصر ذهبي، و لا مدينة للشمس…
إيكار-Icare: ليس هنالك سوى السماء الفارغة، فلتبتكر الرغبة نفسها إذن. ليس هنالك سوى الفعل. ليس هنالك سوى الكفاح. لا تتأسس السلطة أبدا على العلم، و لكن على أساس القوة؛ أبداً لا شرعية لها _ أي السلطة _ في المطلق، و لكن شرعيتها هي دائما في الرغبة. السلطة بهذا المعنى، هي إذن للجميع، و بالتالي ليست لأحد. كل سلطة هي للانتزاع_ أو للدفاع. لكل واحد منا أن يصعد بقدر ما يستطيع و مع من يشاء، “انقضاضا على السماء”، كما كان يقول ماركس، و هذا يعني أيضا _هنا و الآن_ انقضاضا على حلمك الخاص. لكل واحد أن يكون إيكار حسب جهده الخاص. لكل سماؤه و قلعة الباستيل-la Bastille الخاصة به. لكل ما لا نهاية من الأحلام. المهم أن نكون أقل سذاجة بقدر الإمكان، و أن نظل طبعا أحرارا. أحرارا مع الآخرين و مع أنفسنا. أبيقور كان يقول جيدا: ” لابد لنا أن نضحك و نحن نناضل…”
لا تستعبد فيك أبداً القوة المرحة لرغبتك.
____________________________________________________________________________________
مرجع المقالة:
André Compte Sponville. Traité du désespoir et de la béatitude. Puf. P. 219-220.
إرسال التعليق