جاري التحميل الآن

هل كليمون روسيه هو حقا فيلسوف – مارسيل كونش

كليمون روسيه

ترجمة لمقالة معنونة ب “هل كليمون روسيه هو حقا فيلسوف”، للفيسلوف الفرنسي المعاصر مارسيل كونش، في كتابه مذكرات غريبة 2 – أوقات فراغ

هل كليمون روسيه هو حقاً فيلسوف ؟ هذا هو السؤال الذي تبادر إلى ذهني و أنا أستمع إليه مجيبا على أسئلة رافاييل إينتوفن على قناة “فرنسا-الثقافة”، في برنامج “بصوت عار”. لقد كان الموضوع هو “الواقع و نسخته”، أو كيف يشيح البشر بنظرهم على ما هو كائن.
الحيوانات هي واعية، مادامت تنام و تصحو، فالصحو ليس شيئاً آخر غير الوعي. إلا أنها لا تفكر، فالفكر يرتبط أساساً بالواقع و الكائن. القط يرى عصفوراً فوق الشجرة، و لكنه لا يفكر أبداً في أنه عصفور. لو كانت الحيوانات تمتلك فكرة الكائن، لكان بامكانها أن تتفلسف.
كليمون روسيه محق إذن في أن يوجه فكره أولا إلى الواقع أو الكائن. أما فيما يخص القول بأن البشر يشيحون دائماً بنظرهم عن هذا الواقع، فهذا القول حتى المسيحي يمكن له أن يقوله. “الله وحده كائن” يلاحظ مونتينيه. أو ليس المؤمنون بالله هم مدعوون دائماً بأن يشيحوا بنظرهم عن الكائن الأعلى لكي يهتموا بأمورهم أو بأمور العالم ؟ بالنسبة لأفلاطون الأفكار هي الواقع. و لكن البشر بعيداً على أن يظل نظرهم ثابتا على الجمال في ذاته، يفضلون الإهتمام بجمال حسي ما. و لكن إذا كان الأمر على هذا النحو، لماذا التساؤل هل كليمون روسيه “هو حقا فيلسوف “ ؟ لأن واقعه ليس واقعاً فلسفيا : إنه الواقع المشترك و المقبول من طرف الجميع بكل سذاجة. بالنسبة له كما بالنسبة لأي كان، الواقع هو ما هو تحت أعيننا وفقط. لكن الفيلسوف لابد له أن يطرح سؤالا من قبيل: هل ما نظنه واقعاً يستحق فعلا هذه التسمية، هل هو فعلا واقع ؟ هل فعلا أنا كائن ؟ هل نحن فعلا كائنات واقعية ؟ يمكن لنا طبعاً أن نشك في هذا الأمر. لأنه و كما يقول مونتينيه: “ لماذا نعتبر هذه اللحظة كائنة و هي ليست سوى برق في هذا الليل اللانهائي و الأبدي ؟”. هل يمكن أن نقول على ما يمر فقط أنه واقع ؟ أليس ما يدوم طويلا بعد الزمان نفسه هو ما يستحق فعلا أن نقول عنه أن واقع ؟ قد نرتئي يقول ديموقريطوس بأن الميزات الحسية _كالنعومة و السخونة و البرودة _ توجد فعلا، و لكنها ليست إلا أثرا على أعضائنا الحسية؛ “ ففي الواقع ليس ثمة سوى الذرات و الفراغ”_ و هي وحدها أبدية. الذرات و الفراغ: هذا هو الواقع الفلسفي لدى ديموقريطوس و أبيقور. نفس الشيء بالنسبة لديكارت، ليست الميزات الحسية للجسم واقعية في شيء. وحدها المادة هي الواقعية أو الحقيقية، و لكنها لا تنحل أبداً إلى ذرات: ماهيتها هي الفضاء كامتداد، لا نهائية في اتساعها، و قابلة للقسمة إلى ما لا نهاية، و من جهة أخرى نجد عنده واقعية الروح و الإله: ثلاثة وقائع أو حقائق فلسفية إذن. أما بالنسبة لشوبنهاور، فعالم الحواس الذي نعتقده واقعياً، ليست له أية واقعية في ذاته: ليس إلا تمثل لنا، هو حلم لدماغنا و فقط . الحقيقة في ذاتها هي الإرادة، و هي عمياء و حرة و لا منطق لها. الطبيعة الضامة كليا لكل شيء مع أناكسيماندر، الثمة – “le il y a” مع بارميدنس، قانون الصيرورة (pantha rhei) مع هيراقليطس، الأعداد مع فيتاغورس، الأفكار مع أفلاطون، قدم العالم و أبديته مع مع أرسطو، الذرات مع أبيقور، المادة، الروح، الله، الإرادة … هذا هو ما يراه الفلاسفة على أنه حقا واقع. إنهم يختلفون حول هذا الذي يستحق فعلا تسمية الواقع (أفكار أفلاطون لا واقعية لها بالنسبة لأبيقور، الله هو خال من أية واقعية بالنسبة للماديين إلخ ..)، إلا أنهم مجمعون على عدم الإكتفاء بالواقع المشترك بين كل البشر. و إلا هل سيكونون حقا فلاسفة إذا هم أضربوا عن طرح السؤال الإغريقي الخالد: “?ti to on” “ ما هو الكائن ؟ ما هو هذا الشيء الذي يتسم حقا بالواقعية ؟”.
هذا السؤال لا يطرحه كليمون روسيه قط. أحتسي قهوتي: أحتسي واقعاً قهوتي و قضي الأمر. من هنا فهو يريد نفسه “مستمتعا بالوجود” و فقط. و نحن نسلم بأن فنا للعيش أو سعادة هنا و الآن هي ممكنة. إلا أنها تقتضي حكمة ما _ حكمة لا حاجة لنا بالبحث عنها في الشرق، و التي عاينتها عند بعض الأشخاص، النساء منهم على وجه الخصوص_، و لكنه من الصعب جداً أن تكون فيلسوفا على أن تكون سعيداً، ليس أمرا هينا أن تسعى إلى البحث عن الحقيقة أو الكائن، إذا ما هو قورن_ أي هذا الأمر_ بإيجاد طريقة تضمن لنا سعادة يومية. أن يكون لكليمون روسيه فنا للعيش، و الذي يثير الإهتمام و الفضول و التعاطف حتى، فهذا لا يعني أكثر من أنه شخص امتلك حكمة شرقية أو باريسية للسعادة. لكن و بالرغم من ذلك، ألا توجد طريقة ما للاحتفاظ بكليمون روسيه بين زمرة الفلاسفة ؟ ربما لابد له أن يصير سكوتلاندياً، و أعني بهذا: أنه لابد له أن يدخل في إطار المدرسة السكوتلاندية، أي مدرسة توماس ريد و تلميذه دوكلاد ستيورت. ريد ينادي بحقوق الحس المشترك و بسذاجة يمكن القول عنها أنها ما قبل فلسفية و ضدا على كل الفلاسفة من أفلاطون إلى هيوم: “أرفض الفلسفة (الميتافيزيقا)، و أرفض سلك طريقها_فلتتشبث روحي بالحس المشترك “.(cité par Daniel Schulthess, thèse sur Thomas Reid, Berne, 1983, p. 85). لكن إذا كانت كل ضد-فلسفة هي فلسفة في مجموعها، فلا يظل لنا إلا نرحب إلى جانبنا بمكتشفي واقع الواقع، المتشبثون المتناقضون بالواقع العادي، هذا الأخير الذي هو بالنسبة لنظرائهم الأولين، ليس إلا واقعا مزيفا.
_________________________________________________

مرجع المقالة :

Conche, Marcel. « XLV. Si Clément Rosset est un philosophe»,Oisivetés. Journal étrange II. sous la direction de Conche Marcel. Presses Universitaires de France, 2007, pp. 217-220

Comments

comments

إرسال التعليق