غاية الحياة هي الحياة – أندري كونت سبونفيل
ترجمة لمقتطف من كتاب “خطاب في اليأس و النعيم”، للفيلسوف الفرنسي المعاصر أندري كونت سبونفيل
للآخرين، لكل الآخرين، يظل طريقة الشجاعة و الفلسفة قائماً: الصعود بدل الانحدار، الحب بدل الكراهية، المعرفة بدل الأحكام الجاهزة، الصمت بدل الكذب … الفلسفة كما التحليل النفسي عند فرويد، لا تعرف إلا قيمة واحدة و لا تمتلك إلا سلاحاً واحداً: الحقيقة ثم الحقيقة… سبينوزا كان يسمي هذا “ بالحياة ﻷجل الفلسفة”، و هذا هو ما نسميه نحن بالفلسفة. هذا الأمر لا يستقيم إلا إذا كانت الحقيقة حاضرة هنا و الآن ( كيف يمكن لنا البحث عنها إذا لم تكن حاضرة ؟)، و لا يستقيم أيضاً إلا إذا كنا داخل هذه الحقيقة، إلا أن الحياة لأجل الحقيقة تظل طريقا فحسب. إن المسألة تقتضي عدم الحياة لأجل، بل أن نحيا: أن نحيا ببساطة و فرح و يأس! حياة الحقيقة إذن و هذه هي حقيقة الحياة (الحكمة).
هكذا إذن تُقحم الحكمة داخلها الأوهام التي تُحَررنا منها، و إيكار عندما يصل إلى منتهى تحليقه _ هناك حيث لا صعود و لا سقوط بعد_ يفهم جيداً بأن هذا التحليق كان منذ البدء، و حسب درجة واقعيته، هو نفسه الحقيقة. “ لا فرق بين الوهم و المطلق، يشرح نص للتشان. مادمنا في الخطأ، فالمطلق هو الوهم، أما ذلك الذي استفاق، فالوهم يصبح عنده مطلقاً..”.
غاية الحياة هي الحياة، كان يقول مونتينيه، و لهذا ليست ثمة أية غاية.
لا غاية للحب، و لا للفرح و لا للسعادة : لا غاية للحكمة و هذه هي الحكمة ذاتها.
هذا ما يمكن أن نصل إليه، ليس بالتمني أو الإيمان، و لكن بالشجاعة و اليأس _ هذا اليأس الذي يتحدث عنه لانيو في إحدى رسائله حيث يقول: “حياتي هذه، المكللة بالنجاح، و الذي ترفعون لي القبعة لأجله، ما كانت لتكون إلا ما هي عليه. لا أطلب منها شيئاً، و لا أنتظر منها شيئا. منذ مدة لا أحيا، و لا أفكر و لا أتحرك، و لا أساوي هذا القليل الذي أساويه، إلا باليأس، و الذي هو قوتي الوحيدة و عمقي الوحيد.” هنا قليل من العقيدة ( و بالمناسبة عقيدة لانيو ليست عقيدتي) أكثر من أنها تجربة، و هي مصدر للقوة في حقيقة الأمر.
هل يتسحق الأمر منا كل هذا العناء ؟ لكل منا أن يقرر ذلك بنفسه. الانتحار ليس دائماً خطيئة، و لا الحياة هي دائما واجب. و لكن الرغبة تأخذنا إلى حد كاف، و حتى في فعل للانتحار فنحن نظل لها أوفياء. لننصت لكلمة محب للحياة (فرنسوا جورج): ما لم تهجرنا الحياة، فلن نصرخ أبداً منادين بالموت.”
يأس و شجاعة، ثقة و سلام: الواقع هو للظفر أو للترك.
اظفر به إذن.
_________________________________________________
مرجع المقالة :
André Comte-Sponville. Traité du désespoir et de la béatitude. Puf. P. 696-697
إرسال التعليق