جاري التحميل الآن

عقوبة الإعدام – مارسيل كونش

مارسيل كونش

ترجمة لمقتطف من مقالة معنونة بعقوبة الإعدام للفيلسوف المعاصر مارسيل كونش و الحاضرة في كتابه التأسيس للأخلاق

بأي حق نعاقب ؟ يجب علينا أن نعاقب و هذا ما قلناه في الباب التاسع عشر من هذا الكتاب، إذا و فقط إذا كان سيترتب على هذا العقاب شيء خَيِّرٌ. لماذا نعاقب طفلاً ؟ لكي لا يعيد الكرة، لكي يتجنب الوقوع في الخطأ مستقبلا أو لكي نصوغ له ذاكرة إذا نحن أردنا الإيجاز. من الخير إذن، أن نسبب المعاناة إذا كان هذا سيمكننا من تجنب و تصحيح تيه الإرادة، إذا كان سيمكننا من تشكيل إرادة قوية، و هذا يعني أولا و قبل كل شيء، إرادة مؤسسة على الذاكرة.
و منه إذن لابد للمعاناة المسببة أن تظهر مستحقة. سنستعمل الحق في العقاب إذا كان هذا الأمر خَيِّراً فقط. و هذا يعني فيما يعنيه أنه يجب أن يكون هناك أولا حق للعقاب. الطفل سيستفيد من الإصلاح إذا ظهر له أولا أن هذا العقاب ليس استبداديا و غير مبرر. المتهم سيتقبل العقاب إذا ظهر له أن مستحق حسب جريمته. و لكن كيف نقنعه بأنه يستحق فعلا أن يعاقب ؟ لا داعي هنا لاستحضار كل “القوانين المقدسة و البشرية”، إذ سيقوم دائماً بتفنيدها. لابد لنا بخصوص الفعل المحدد الذي نلومه عليه، أن نفهمه و نجعله يقبل مبدأ المعاملة بالمثل. إذا أنا سرقت دراجة جاري فأنا أفقد أي حق في الاحتجاج إذا ما سرقت مني دراجتي أو خضغت لعقوبة معادلة لما فعلت. عندما مسست بحق الآخر فقد مسست بحقي أنا. إذا سرقت ملكاً لآخر فقد فقدت الحق في الاحتجاج اذا سرق مني ملك ما أو إذا تم إخضاعي إحلالا-Par substitution لفعل معادل لما قمت به. المنطق نفسه يسري إذا أن قذفت شخصا أو ضربته إلخ… من يقوم بالشر يفقد الحق في الاحتجاج إذا ما مورس عليه. ممارسة الشر على الآخر هي ممارسة للشر على الذات. يقوم مبدأ المعاملة بالمثل إذن في العمق على مبدأ الهوية : الآخر هو أنا، لأنني إذا ما ألحقت به شرا فإنني ألحقه بنفسي. لسنا هنا بصدد القول بأن الإنسان الظالم هو تعيس بسبب وعيه الشقي. سنجد الكثير من المتهمين الذين لا يعني لهم التأنيب أي شيء. نحن نقول بكل بساطة أنه عندما ألحق شرا بالآخر فإنني ألحقه بنفسي ليس في الواقع و لكن في الحق-En droit. كل شر حقيقي مرتكب يعطي الحق في شر مقابل. الشر الذي أمارسه هو حقيقي بينما الشر الذي أستحقه هو دائما ممكن أو افتراضي. يمكن أن أخضع له كما يمكن العكس، و لكن إذا ما حصل و خضعت له فلا يمكن لي إلا أن أعترف بأنني أستحقه.
هكذا الموت.
الشرير الذي يقتل يفقد بهكذا فعل، كل حق في الاحتجاج إذا ما قتلناه. لا يمكن له أن يعترض على عقوبة الإعدام. و لكن هذا لا يحل المشكل بالنسبة لمن له سلطة القتل شرعياً__ شرعياً في عيون هذا الشرير نفسه الذي ليس له ما يحتج عليه. ليكن! و لكن ماذا عن الآخرين خصوصا أولئك الذين سينطقون بالعقوبة و سيطبقونها ؟ لا شك في أنه من الواجب عليهم أن يفكروا قبل كل شيء في الضحية. المجرم قتل و الضحية فقدت حياتها. لماذا هذا ؟ لأن العلاقة كانت علاقة قوي بضعيف. الضحية لم يقدر أو لم يعرف كيف يدافع عن نفسه. كان له الحق في الرغبة في عدم الموت و الدفاع عن نفسه. لم يستعمل إذن هذا الحق المسمى حق الدفاع الشرعي عن النفس. هنا يحضر واجب الإحلال-La substitution الذي تحدثنا عنه في الباب الثامن من هكذا الكتاب: يحق لي أن أحل بدل الضعيف لكي أنصر حقه. فإنسان مثلا سجن ظلماً، سيكون من الواجب علي أن أتكلم بدله… كان للضحية إذن الحق في الدفاع عن نفسه و لم يمارسه. أليس لدي الحق في أن أحل بدله للمارسة هذا الحق؟ هل نقول بأن هذا الحق لم يعد له موضوع مادام الزمان قد مر على الضحية حتى يدافع عن نفسه؟ في حقيقة الأمر موضوع الحق لازال قائماً بفضل مبدأ الهوية. المجرم الذي ينتزع الحياة من ضحيته ينتزعها من نفسه افتراضيا كما رأينا: “أنا ضحية نفسي” يمكن له أن يقول. هذا هو معنى مبدأ الهوية في حالة العلاقة بين المجرم و الضحية. له الحق في الموت الذي أعطاه هو. و لكن على ماذا يتأسس مبدأ الإحلال هذا ؟ يتأسس هو نفسه على مبدأ الهوية : إذا كان من الواجب علي أحل بدل ضعيف، أو عاجز، لإتباث حقه، فلأنه هناك تطابق بيني و بينه كبشر، و حقه هو حقي أنا. الشيء نفسه ينطبق على الضحية و الضحايا: أنا هو الضحية. بالتالي لا يجب علينا القول بأن حق الدفاع الشرعي على النفس لم يعد بالامكان ممارسته. لدي كل الحق في ممارسته طبعا. فهل يترتب على هذا أنه من الواجب علي ممارسة هذا الحق، هل من الواجب علي اخضاع المجرم لعقوبة الإعدام التي يستحق؟ أبداً، لأن حق الدفاع الشرعي عن النفس هو مجرد حق و ليس واجباً. يمكن لي أن أمتنع على قتل من اعتدى علي. العفو كان ممكنا من طرف الضحية. هذه المسألة لا يمكن لي استبعادها عندما أستعوض الضحية. ليس من الواجب علي إذن أن أعاقب بالموت.
_________________________________________________

مرجع المقالة :

Le fondement de la morale. Marcel Conche. Puf. P124-126.

Comments

comments

إرسال التعليق