تحاليل للحب و مواضيع أخرى – مارسيل كونش
ترجمة لتقديم كتاب “تحاليل للحب و مواضيع أخرى”، للفيلسوف الفرنسي المعاصر مارسيل كونش
“كريتو، أسقليبيوس يطلبنا ديكا” _ قربانا، لإله الصحة و العافية : كان هذا آخر ما نطق به سقراط. من ماذا يقدر سقراط أنه سيتعافى و هو على فراش الموت؟ أ من الحياة؟ أو _ على ما أعتقد _ من الموت ذاته؟
“هذا القول المضحك و الفظيع، يعني لمن ينصت جيدا، ما يلي : آه يا كريتو، إن الحياة هي مجرد داء!” هكذا تحدث نيتشه في الشذرة 340 من العلم المرح.
أ يكون سقراط متشائما؟ هل كان فقط يظهر ” سعة صدر في اتجاه الحياة”، بينما كان يبطن “حكمه الأقصى”، و السلبي جذريا حول هذا الوجود برمته. لكن، كيف نصدق بأن الرجل الذي شاهدناه، لأكثر من ثلاثين سنة، يجول في الأزقة، و في الساحات، و في حدائق آثينا، يصاحب مواطني مدينته، كأخ أكبر ليربيهم على الجمال و الخير، يدخل المتاجر لكي يثبت بأن الروح هي أثمن من الجسم، يزور السياسيين، و الشعراء، و الفنانين، ليوقظ فيهم فكرة الحكمة الحقيقية، هذا الرجل، الذي لا يفكر إلا في جعل الناس أفضل لأنه يحبهم، أ يكون متشائما؟! على العكس تماما، سقراط كان يحب الناس، كان يحب الحياة؛ بل أكثر من ذلك : كان عاشقا لها ( و لهذا لم يكن في حاجة لكل القيم الوهمية التي يضفيها الناس على هذه الحياة).
كان سقراط و هو على فراش الموت يقول : ” أسقليبيوس يطلبنا ديكا” ، لأنه لا يموت وحيدا، و لكنه يموت بصحبة كريتو، و فايدو، و آخرون أوفياء يحيطون به، و يفهمونه. يموت سقراط بين أطفال من روحه، و هي _ أي روحه _ أجمل ما فيه. أسقليبيوس هو ذلك : ” الذي يعرف كيف يأتي بالموتى من مملكة الظلمات”، يعرف كيف يحيي الموتى. لابد لسقراط و صحبه من قربان إذن، لأن موت سقراط لا تعني بأي حال من الأحوال، موت روحه: روح سقراط معفاة من الموت. إن روحه ستعيش أكثر من أي وقت مضى، داخل كل واحد من المحيطين به، و داخل مجتماعتهم حتى. يكون الموت بئيسا عندما يموت الإنسان وحده، و لكن سقراط مات سعيدا، لأنه كان يعرف بأن ماهيته ستظل حية، داخل كل الذين عاش لأجلهم و أحبهم. ما كان لسقراط أن يستقبل الموت بصدر رحب، لو لم يكن هو أيضا محبا لأولئك الذين يحبونه، و الذين سيعيش فيهم درسه. إن الحب بينهم هو متبادل، و لهذا هم متحدون في التضحية لأجل الإله.
إن الكلمة-المفتاح في الطبيعة و الحكمة السقراطيتين، هي المحبة، و لا شيء آخر غير المحبة.
____________________________________________________________________________________
مرجع المقالة:
Marcel Conche. Analyse de l’amour et autres sujets. Le livre de Poche. Avant-propos.
إرسال التعليق