الدازاين (المنفتح على) – مارسيل كونش
ترجمة لنص معنون بالدازاين أو المنفتح، و الحاضر في كتاب الحرية للفيلسوف الفرنسي المعاصر مارسيل كونش
إن كلمات من قبيل “الذات”، و “الذاتية”، و “الوعي”، لا تفي بالغرض الكافي للتعبير عن الكائن الأساسي للإنسان بما هو كائن منفتح على … فعندما نتحدث عن الذات، في علم النفس، أو في الميتافيزيقا، أوفي نظرية المعرفة، فنحن نفكر في الكائن الإنساني بما هو كائن لذاته. كائن يمكن له أن يعي _ أو يعرف_ حقا شيئا آخر غير ذاته، و لكننا لا يمكن لنا أن نتصوره أبداً في علاقة ماهوية مع شيء آخر غير ذاته. و فوق هذا و ذاك، فكلمة الذات تحمل بين طياتها الكثير من المعاني. لهذا يستحسن بنا أن نختار كلمة لا تشير إلا للمعنى الذي نريده لها. لقد استعرت من هايدغر كلمة الدازاين، و التي ليس لها معنى في اللغة الفرنسية و هي غير قابلة للترجمة في هذه اللغة. لهذا فهي لن تفيد شيئا آخر غير المعنى الذي اخترناه لها. إن الدازاين هو كينونة الإنسان بما هو كائن منفتح على العالم. فهو عندما ينفتح يستعمل ثلاثة جوانب أو لحظات للزمانية: هناك دائماً ما مضى، و ما يمضي، و ما سيمضي_ هناك الماضي، و الحاضر و المستقبل بمعزل عن بعضهم البعض، و لكن داخل نفس وحدة الاشتغال. ماذا هناك إذن تحت أنظارنا ؟
“ها أنا ذا في حضور صور، يكتب برغسون، صور مدركة عندما أفتح حواسي، و غير مدركة عندما أغلقها(الحواس)”. إذا أنا ابتدأت على هذا النحو، سيتكون لدي انطباع بأنني أتحدث على نحو خاطئ. لأنني عندما أفتح عيني، فإنني أرى أشياء حقيقية: أشياء كهذه المرشة إلى جانب العشب ( و ليس صورة للمرشة)، أرى كائنات حية _قططا أوعصافير_ أرى نباتات: شجرة التين هذه، الكرز هذا، أشجار حولها، و بعيداُ هناك أرى قرى و غابات. إلا أن هذه الأشياء لا تضاف لبعضها البعض هكذا ببساطة، إنها تشكل ترتيبا متناسقا، و عالماً ينفتح علي كما أنقتح عليه. يمكن لي أن أمسك بالمرشة و أسقي شجرة التين، أو أتمم طريقي نحو القرى. الدازاين هو بنية انفتاح على عالم إنساني، مقدر للفعل الإنساني_ بشكل أدق إذا كنت مزارعا فأنا مقدر لعالم المزارع، و إذا كنت حطابا فأنا مقدر لعالم الحطاب إلخ… العالم هو لازمة الدازاين، بما هو منظم و منته. و لكنه يتغلف اللانهائي، بمعنى الغير محدود. أولا و للقلة التي يأخذ النظر عندهم العلو بالحسبان، فالأفق يأخذ في الاتساع دون توقف: العالم يحجب عوالم أخرى، و يمكن أن نقول مع ديكارت بأنه غير محدد. بعد ذلك، إذا أخذت في العد انطلاقا من المرشة و الكرز الذين تحت ناظري، كل الأشياء التي يمكن لي ملاحظتها في هذا العالم فواضح أن تعدادي سيذهب إلى ما لا نهاية. لأنه يمكن لي مثلا أن أعد أوراق الشجر و الأعشاب القريبة من المرشة، و حبات رمل الطريق إلخ…
____________________________________________________________________________________
مرجع المقالة :
Marcel Conche. La liberté. Éditions les belles lettres. Collection 《Encre marine》. 2017. P. 33-34.
إرسال التعليق