بروبوات ألان – أندري كونت سبونفيل
ترجمة لنص للفيلسوف الفرنسي المعاصر أندري كونت سبونفيل، يشرح فيه ما هو البروبو-le propos، كما يتحدث فيه عن أستاذه الفيسلوف الفرنسي ألان-إيميل شاتيي، و يقدم كتابا رفيعا له، بعنوان بروبوات حول الفلاسفة
البروبوات-les propos التي اشتهر بها ألان لم تخدم دائما مجد هذا الفيلسوف. إذ أنها في كثير من الأحيان، و من فرط تألقها، حجبت أعظم تحفه التي كان لها بعد آخر: الحوارات على شط البحر، الآلهة، تاريخ أفكاري، دون أن ننسى طبعا الأحد عشر بابا حول أفلاطون أو ذكريات بخصوص جيل لانيو… فلندنو إذن حتى نرى بشكل أقرب: سنستنتج أن ألان هو شيء آخر غير صحفي، شيء آخر غير كاتب أخلاقي أو ليس مجرد 《كاتب مواضيع فلسفية》 ( حتى أستعيد العبارة الماكرة و المبهجة لأستاذي في الباكالوريا) _ إنما هو أحد فلاسفة القرن العشرين الحقيقين، و هم ليسوا كثرا، و هو في الآن نفسه أحد أعظم كتابنا. كم من مفكرينا نستطيع أن نجد عندهم _ و في أجمل نثر للأفكار في القرن _ ميتافيزيقا و حكمة، أخلاقا و فلسفة سياسية، فلسفة جمال و نظرية في المعرفة، بيداغوجيا و أنتروبولوجيا، فلسفة للطبيعة و فلسفة للتاريخ؟ لنترك كل هذا الآن. البروبوات في مجملها المثير للإعجاب، تلعب دورا ليس هينا: عدة آلاف من الصفحات، دائما خاطفة، غالبا عميقة، أحيانا مبهرة، معتمدا مرة على أخبار الساعة، و مرة على قراءة (و غالبا إعادة قراءة) قام بها ألان للتو، هذا إذا لم ينطلق من انطباعاته اللحظية، أو صدف الرزنامة( لقد كتب الكثير من البروبوات الجميلة و العميقة و المربكة حتى، حول عيد الميلاد-الكريسماس)، أو حول مرور الزمان و تعاقب الفصول … أنه فعل أحسن ما في الأحسن ليست مسألة ذوقي الخاص. و لكن من هذا الذي فعل أحسن؟
ما هو البروبو إذن؟ هو أولا مقال صحفي، مكون من وريقتين أو ثلاثة وريقات ( إثنين في بداياته ثم ثلاثة في السنوات الأخيرة)، متوجه بتعريفه للجميع، قائل لكل الذين لهم القدرة على القراءة، و مانحهم، مهما كان موضوعه خاصا، شيئا ما يشبه الدرس الفلسفي التطبيقي. لقد مارست التمرين في بعض الأحيان. إعجابي بألان الكبير سلفا أصبح مضاعفا. لا أحد بعده و لا قبله لم ينجح بهذا الشكل اللامع، في هذا التحدي: الارتفاع، كما كان يقول《 بالكتابة الصحفية إلى مستوى الميتافيزيقا》، متوجه للجميع دون أن يتنازل عن كونه فيلسوف، منطلق على العكس، من أحداث راهنية أو من 《 أماكن مشتركة للصحافة》، نحو 《 الفلسفة الأصعب، و التي هي في حقيقة الأمر ملك للجميع》… نسخة كاملة، تَسُوقُها مؤسسة ألان بكثير من العناية و الكفاءة الآن. ستجمع 3083 بروبوا لنورماندي، نشرت بشكل تطوعي و يومي ( من 16 فبراير 1906 إلى 1 شتنبر 1914) في لاديبيش الروان و النورموندي، بالإضافة إلى 1820 من البروبوات الحرة كتبت بين سنة 1921 و 1936، و التي نشر أغلبها، و دائما بشكل تطوعي، في المجلة الدورية التي أنشئت على هذا الإثر من طرف ميشيل ألكسندر، و التي تحمل نفس هذا الإسم “بروبوات حرة”. في المجموع سنجد ما يقارب 5000 بروبوا، إذن 10000 من الصفحات … و هذا يعني فيما يعنيه أن الإنتقاء يفرض نفسه علينا. يمكن القول أن حجما لابلياد، المصممان بطريقة كرونولوجية، يشكلان مجموعا عجيبا. إلا أنه يمكن أيضا تفضيل المجموعات الموضوعاتية: المجموعة الأشهر و هي بروبوات حول السعادة(كاليمار، فوليو-إيسي_Gallimard-Folio-Essais)، الأجمل و الأهم بالنسبة لي، و هي البروبوات حول السلط(كاليمار، فوليو-إيسي-Gallimard-Folio-Essais)، البروبوات حول التربية(بوف-PUF)، و أخيرا هذه البروبوات العجيبة حول الفلاسفة، التي قد تم منذ مدة استهلاكها، و أنا جد سعيد بإعادة تقديمها، لقراء جدد اليوم.
ألان، و دون الخروج عن الإطار الذي وضعه لنفسه_ إطار الفلسفة الشعبية في وريقتين أو ثلاثة وريقات_ يستقر في الملعب الذي يليق به، ملعب فلاسفة الحرفة، ملعب الكتاب الكبار، الذين لم يكف يوما عن تأملهم و عن الإعجاب بهم، ملعب الفلسفة الأبدية، التي بالنسبة له هي الحاضر الحقيقي للفكر. أفلاطون؟ غير قابل للتجاوز. أرسطو؟ غير قابل للتجاوز. الرواقيون؟ غير قابلين للتجاوز؟ ديكارت، سبينوزا، كانط، هيغل، أوغست كونت؟ غير قابلين للتجاوز؟ مع العلم طبعا أن كل هؤلاء الفلاسفة، يتجاوزون أنفسهم و يغيرون مواقعهم بشكل دائم و مستمر( حركة الفكر هذه التي تتأكد بالتنكر و النفي الدائم لنفسها، تفيد بأن كل الأنظمة خاطئة، و ووحدها الفلسفات صحيحة). أستاذ الفلسفة الذي كانه ألان و الغير قابل للنسيان، يأتي هنا لمساندة الصحفي الذي كان فيه أيضا، إذ أن الفصل و التمييز بين الصحفي و الفيسلوف، في هذه البروبوات، هو أمر محال. لنتعرف إذن على الفلاسفة الذين انتقاهم، أولئك الذين يقولون حقيقة الروح أولا( أفلاطون، الرواقيون، ديكارت، كانط، جيل لانيو)، ثم ثانيا أولئك الذين يقولون حقيقة العالم ( أرسطو، أبيقور، سبينوزا، هيغل أو ماركس)، و هاتين الحقيقتين بالنسبة لألان، لا تشكلان سوى حقيقة واحدة، ألا و هي حقيقة الإنسان( هي الروح إذن لكنها مغروسة في عالم خال من الأرواح أو الأشباح)، الشيء الذي يجعل الفلاسفة المذكورين هنا أولا مصيبين، دون أن يُخَطِّئَ الثانيين. النقاش و الحوار بين هذين التياريين لن يكف، إنه لب الفلسفة و روحها. لم يكن له طبعا مفر، من المرور دائما عبر هؤلاء الكتاب المذكورين آنفا. سبينوزا مثلا، فيلسوف الشيء أو العالم، هو أيضا 《 الوحيد الذي فكر في الروح》. إلا أنه لا يفكر فيها إلا بجعلها شيئا:《 الكل هنا يضيع في الشيء و في الضرورة 》. ضدا على هذا، يختار ألان مع لانيو، الموقع الآخر، موقع أفلاطون، و الرواقيين، و ديكارت أو كانط. لماذا ؟ دون أدنى شك وفاءا، لأستاذه لانيو، و وفاءا أيضا، للإرادة و لحريتها، أو بشكل آخر وفاءا للإنسان نفسه، بما هو كائن مغاير و مختلف، عن الجماد و عن الحيوان. من هنا إثنينية ألان الخاصة، و التي هي إثنينية خالية من فكرة الجوهر. و من هنا أيضا روحانيته العلمانية، إن صح التعبير، و التي هي إنسانية حقة. الروح ليست شيئا، الروح ليست جوهرا _ 《 الروح لا وجود لها من الأساس》. أبدا، كيف ذلك و نحن نشك في حقيقة وجودها، إذ أن كل شك، كما رأى ذلك ديكارت، يشهد بحقيقة المشكوك فيه أو على الأقل يفترضها.《الروح ليست حتى فرضية》. كيف ذلك؟ فما هذا الذي هو أكثر جلاءا من الشك؟ و ما هذا الذي هو أكثر يقينا من البحث عن حقيقة على الأقل ممكنة؟ هذه هي الروح ذاتها. ليست جوهرا و بالتالي ليست فرضية: الروح فعل دائم العود، الروح قوة و قدرة_ على الفكر، على المعرفة، على الشك و على الضحك_ الروح إرادة و حزم. و هذا معناه أن لا روح متقدة إلا الروح الإنسانية، و هذا يفيد أيضا أن هذه الإنسانية الحاضرة في كل منا، هي ما يجب إنقاذه. الآلهة ليست سوى أصنام، الأفكار نفسها ليست سوى أصنام، عندما تتحول إلى عقائد. من هذا الذي سيولع بنظرية رياضية مثلا؟ 《 لا يمكن أن نهيم إلا بالإنسان!》. هذا الدين الذي ليس واحدا أحدا ( إذ أنه خال من كل وساطة و من كل دوغما)، هو المضمون الحقيقي بالنسبة لألان للفلسفة. إن أهمية هذه البروبوات حول الفلاسفة، تكمن في أنها: تقول بلغة الجميع، أرفع ما في الإنسان، ألا و هي الروح، و تقول أيضا أحق ما في هذه الروح، ألا و هو الإنسان الحر.
في الأخير أحب أن أقول، أن فلسفة ألان ليست فلسفتي( لقد اخترت أبيقور بدل أفلاطون أو الرواقيين، سبينوزا بدل ديكارت، ماركس بدل كانط، الأحادية بدل الإثنينية، المادية بدل الروحانية…). إلا أنني لم أجد أثمن من قراءة هذه البروبوات، بالتعارض، بالتقابل، و بالحوار المنعش الذي يفرض نفسه.حقيقة لا أعرف دعوة أجمل من هذه البروبوات، لقراءة كبار الكتاب، لإعادة قرائتهم، لتأملهم، و أخيرا للتحرر منهم، و هذا هو الوفاء الحقيقي لأساتذة الحرية هؤلاء.
إرسال التعليق